فضائله رضى الله عنه
وعن أبي هريرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائماً؟
قال أبو بكر: أنا
قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر: أنا
قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟
قال أبو بكر: أنا
قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟
قال أبو بكر: أنا
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : صعد النبي صلى اللّه عليه وسلم أحداً وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم فقال النبي عليه السلام: اثبت أحد فإن عليك نبي وصديق وشهيدان وعن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر- رواه الترمذي وعن ابن عمر: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر: أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار - رواه الترمذي وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أنفق زوجين من شئ من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب -يعني الجنة- يا عبد الله هذا خيرٌ فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد و من كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام و باب الريان
فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة وقال : هل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟
قال : نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الدرجات العلى ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء و ان أبا بكر و عمر منهم و أنعما خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و قال : إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا و بين ما عند الله فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجب المسلمون لبكائه فلقد علم أبو بكر ان العبد الذي يقصده رسول الله صلى الله عليه و سلم هو نفسه فبكى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أمن الناس على في صحبته و ماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لأتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام و مودته لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيستقي لها ويقوم بأمرها فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا الذي يأتيها هو أبو بكر الصديق، وهو خليفة فقال عمر: أنت هو لعمري الله عز و جل أنزل فيه قرآناً رضي اللّه عنه
في حديث الإفك قال الله عز و جل : وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ سورة النور - الآية 22
ونزلت حينما أراد الصديق رضي الله ان يمنع ما ينفقه على مسطح بن أثاثة بعد الذي قاله في السيدة عائشة رضي الله عنها قال اللّه تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ سورة التوبة الآية 40
ونزلت عندما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة كما نزل فيه رضي الله عنه قوله تعالى : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى سورة الليل الآيات 17 الى 21 ورعه رضي اللّه عنه
قالت عائشة رضي الله عنها : كان لابي غلام يخرج له الخراج و كان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً
بشئ فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام : أتدري ما هذا
قال أبو بكر : و ما هو ؟
قال : تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك فذا هو الذي أكلت منه
فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شئ في بطنه
تواضعه رضي اللّه عنه
قال الصديق : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
قال هذا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المسند من وجهين عن النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم وُزن بالامة فرجح ثم وُزن أبو بكر بالأمة فرجح ثم وُزن عمر بلأمة فرجح حياؤه رضي اللّه عنه
خطب الصديق في الناس يوماً فقال : أيها الناس استحيوا من الله فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد الغائط إلا و أنا مقنع رأسي حياء من الله
أدبه رضي اللّه عنه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
لما مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم وأم أبو بكر الناس في الصلاة فلما أحس بقدوم النبي صلى الله عليه و سلم ما استطاع ان يتقدم بين يديه أدباً منه و قال : ما كان ينبغي لإبن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثباته عند موت النبي صلى الله عليه و سلم
ولأبي بكر رضي الله عنه موقف تاريخي لا يُنسى عند وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما قال سيدنا عمر رضي الله عنه : إن رجالاً من المنافقين يزعمون ان رسول الله مات و انه والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه و سلم فليقطعن أيدي رجال زعموا انه مات
وأقبل أبو بكر و دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فكشف عن وجهه ثم قبله و قال : بأبي أنت وأمي طبت حياً و ميتاً ان الموته التي قد كتبها الله عليك قدمتها ثم رد الثوب على وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خرج و أقبل على الناس يكلمهم فأقبلوا عليه منصتين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ آل عمران الآية 144 خلافته رضي الله عنه
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ، وبعد أن تمت بيعة أبي بكر بيعة عامة، صعد المنبر
وقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: أيها الناس قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكَذِب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء اللّه تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم اللّه بالذل، أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم اللّه فيا لها من كلمات جامعة حوت الصراحة والعدل، مع التواضع والفضل، والحث على الجهاد لنصرة الدين، وإعلاء شأن المسلمين. دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له : يا عمر لا حاجة لي في امارتكم
فرد عليه عمر : أين المفر ؟
والله لا نقيلك ولا نستقيلك
جيش أسامة
وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا : يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟
فقال : والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله
فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم
فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام
حروب الردة
بعد وفـاة الرسـول صلى الله عليه وسلم أرتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ؟
فقال أبو بكر : الزكاة حقُّ المال
وقال : والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَقالاً كانوا يُؤدّونه الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه
ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين
جيوش العراق والشام
ولمّا فرغ أبو بكر رضي الله عنه من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتاً على الإسلام
استخلاف عمر
عقد أبو بكر في مرضه الذي توفي فيه لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده، ولما أراد العقد له دعا عبد الرحمن بن عوف
فقال: أخبرني عن عمر
فقال: يا خليفة رسول اللّه هو واللّه أفضل من رأيك فيه من رجل، ولكن فيه غلظة
فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء، أراني الرضا عنه، وإذا لنت أراني الشدة عليه، لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئاً
قال: نعم
ودخل على أبي بكر طلحة بن عبيد اللّه
فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك ؟
فقال أبو بكر وكان مضطجعاً: أجلسوني فأجلسوه فقال لطلحة: أباللّه تفرقني أو باللّه تخوفني، إذا لقيت اللّه ربي فساءلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك ؟
وأشرف أبو بكر على الناس من حظيرته وأسماء بنت عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول: أترضون بمن أستخلف عليكم فإني واللّه ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا
فقالوا: سمعنا وأطعنا
دعا أبو بكر عثمان خالياً
فقال له: اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به أبو بكر ابن أبي قحافة إلى المسلمين أما بعد ثم أغمي عليه فذهب عنه
فكتب عثمان: أما بعد فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً
ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ عليَّ فقرأ عليه فكبَّر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي
قال: نعم
قال: جزاك اللّه خيراً عن الإسلام وأهله
وأقرها أبو بكر رضي اللّه عنه من هذا الموضع فأبو بكر كان يرى ويعتقد أن عمر بن الخطاب خير من يتولى الخلافة بعده مع شدته والحقيقة أنه كان كذلك وفاته رضي الله عنه
قيل: إنه اغتسل وكان يوماً بارداً فاصابته الحمى خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة فأمر عمر أن يصلي بالناس ولما مرض قال له الناس: ألا ندعو الطبيب؟
فقال: أتاني وقال لي: أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده وسكتوا عنه ثم مات
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وابنه عبد الرحمن وأن يكفن في ثوبيه ويشتري معهما ثوب ثالث وقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة والصَّديد قال ابن أسحاق : توفي أبو بكر يوم رضي الله عنه يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة و صلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقوال الصحابة فيه رضي اللّه عنه و عنهم أجمعين
قال عمر رضي الله عنه : أبو بكر سيدنا و أعتق سيدنا يعني بلالاً
وقال رضي الله عنه ايضاً : لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتقدم قوماً فيهم أبو بكر
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : كنا نخير بين الناس في زمن النبي رضي الله عنه فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان رضي الله عنهم
و عن محمد بن الحنيفة قلت لأبي -علي بن أبي طالب- : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : أبو بكر
قلت : ثم من ؟
قال : ثم عمر
من كلماته رضي اللّه عنه
طوبى لك يا طير تأكل الشجر و تستظل بالشجر و تصير الى غير حساب يا ليت أبا بكر مثلك
اللهم أنت أعلم مني بنفسي وأنا أعلم بنفسي منهم -يقصد من يمدحونه- اللهم أجعلني خيراً مما يظنون وأغفر لي ما لا يعلمون و لا تؤاخذني بما يقولون
رحم الله سيدنا أبا بكر و جمعه بحبيبه و صاحبه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في الفردوس الأعلى من الجنة إن شاء الله تعالى